dimanche 6 janvier 2013

لكم "ترويكتكم" ولنا حلمنا...



إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا أصابنا؟ أين الخطأ لنصل إلى ما نحن فيه؟ 

كيف يمكن أن نحتفظ بصفاء الذهن وبرود الأعصاب لتقصّى ما حدث لنا خلال العام المنقضي وتحليله والتمعّن فيه ؟ ومن بمقدوره أن يتذكر ذلك الكمّ الرهيب من الأنباء التي يُقاس منسوبها باليوم وليس بالسنة؟

سنةُ تهاوي مؤسسات الدولة

لا نكاد نتذكر بالليل بم ابتدأنا يومنا ولا على أية فاجعة أمسينا. تتواتر الأحداث, تتطوّر, أغلبها مفزع, وقعُها يُحطّم ما تبقّى من أعصابنا ثم يأتي على هيكل التحليل الذي ظننّاه المدخل المناسب إلى فهم المأزق الذي نحن فيه وسبل الخروج منه.

هي سنة يُجمع التونسيون على أنها الأحلك منذ ما قبل الثورة بزمن بعيد. غلاء حيّر حتى الميسورين, شحّ في المواد الأساسية وصل حد انقطاع في التزويد لم يعرف له مثيلا جيلٌ كامل من الخمسينيين, تردّ غير مسبوق للمرافق العامة بلغ حد الانقطاع المطوّل للماء والكهرباء في قيض الصيف, تكدّس القمامة أينما اتّفق, تسيّب طال الامتحانات والمناظرات الوطنية, عودة مدرسية متعثرة لم تشهد لها تونس المستقلة مثيلا, مخدرات اجتاحت حتى الإعداديّات, شبكات إرهابية عالمية ترتع على أراضينا وتجعل منها قاعدة عملياتها و بدأت تستقطب حتى من جيشنا, أسلحة قتالية تجتاح القرى والمدن الكبرى.

هذا اجتماعيا, أما سياسيا, فالانتقال الديمقراطي متوقف أو لعلّه في أحسن الحالات يمتطي صهوة سلحفاة عرجاء. لا دستورٌ أُنجز ولا تقدم يذكر في إرساء مؤسسات القضاء والإعلام المستقلين. أمّا هيئةُ الانتخابات, فإنه في ظل تناحر حلفاء الحكم قد يتزامن بعثها مع بعث المسيح عليه السلام. كما ينبئ ضعف مسودّة الدستور وتصلب المواقف بخصوص نظام الحكم بمزيد إطالة المرور إلى انتخابات أصبحت بدورها محل شك في ظل تهاون الدولة بالعنف السياسي المنظم بل وتأييده من طرف اثنين من الأحزاب الحاكمة. أما مؤسسة الحكومة فإنها أشبه شيء بقصر من الورق... تألفت على أساس العلاقات العائلية و"الشرعية السجنية" والولاء وعلى أساس حصص حزبية لا يفقه منطقها إلا ذلك المؤدب الشهير الذي قسّم الدجاجة اعتمادا على قاعدة "الأفخاذ والصدر لي والبقية نوزّعها على الأولاد" (بتصرف)... سنة كاملة لم تأبه فيها الحكومة لا لضعف أداء بعض أعضائها ولا للتعطل الذي سببه بعضهم الآخر في مجالات عمل ليس لهم بها دراية ولا حدس سليم يجعلهم يتخيرون الكفء ليساعدهم على ذلك. بل لا يتوانون عن تبرير فشلهم بوجوب تلافي "الخراب" الذي وجدوا عليه الأمور منذ تولّيهم. بقيت الحكومة سجينة ذات المنطق الأعوج الهش مخافة أن ينهار القصر لو طاله أي تحوير يعلي قيمة الكفاءة ويقوّض, لا قدّر الله, الأواصر العائلية أو يذهب بريح الولاء أو يشكك في أولوية التمتع بمزايا الحكم لمن عانى ويلات السجون.

ماذا أوصل أوضاعنا إلى هذا الدرك من السوء؟ 

لكن كيف يمكن, أمام تراكم هذه المعضلات في سنة وحيدة, أن نفكك رموز أزمتنا ونتعرف على العامل الأهم الذي أوصلنا لما نحن فيه والذي قد يُودي بنا وبكل أحلام الرّفاه والعدالة والحرية التي بنينا؟
لن يجدي نفعا أن نُعزي ذلك إلى الظرف الاقتصادي الصعب ولا لطبيعة الانتقال السياسي المحفوف بالمخاطر لا محالة, ولا لعصيّ المعارضة التي تترصد عربة الحكومة... ثلاثية العجلات (واحدة لكل حزب...). إنها مسبّبات مستهلكة, أُفرغت من مدلولها من فرط الاستعمال...
قد تكون الأيام الأخيرة من سنة 2012 أتت بالجواب وأسقطت آخر ورقات التوت عن المتدثرين بالشرعية لإخفاء سقوط أخلاقي لا يكاد يصدق من فرط وقاحة من يأتونه وفجاجة التبريرات التي يتوارون بها...

السقوط الأخلاقي

أتت الأيام الأخيرة بأحداث متزامنة يكمن في خطورتها السببُ العميقُ والأساسيُ الذي من أجله يمكن أن نقول أن مواصلة الحكم بهذا الشكل وبهذه العقلية وبهؤلاء الأشخاص إنما تؤذن بخراب الدولة. فقد يكون احتدام الأزمة الاقتصادية أو انفراجها من محددات الانتقال السلس إلى الديمقراطية إلا أن السقوط الأخلاقي لو أصاب النخبة الحاكمة فإنه مؤذن بزوال الدولة لا محالة.
لنتذكر... حادثة قيام وزير الخارجية بنفقات باهظة من المال العام على منافع لشخصه, هو في الأصل في غنى عنها من ناحية, ومن ناحية أخرى يتقاضى تعويضا عنها في جرايته. ثم أنها لم تكن لتجوز له في أي حال من الأحوال بنص القانون. الوزير أنكر مسألة تبديد المال العام وانخرطت وزارته في التأكيد على السلامة القانونية لتصرفه وتذرّع محاميه بنص قانوني تبين أنه خاطئ ثم أصدرت الحكومة بيانا يسانده ويهدد ضمنيا عضو الحكومة الذي يستراب في أنه سرّب الخبر للصحافة. أي أن تبديد المال العام أصبح من التفاصيل أمام الانضباط السياسي للحلفاء. ولم يكتف الوزير بتفنيد شبهة تبديد الأموال العامة بل ذهب إلى التصريح بأن المبالغ سددت من خزينة سرية خاصة بجنابه وكأن ما يمنعه القانون على الوزير "جهرا" يُقبل أخلاقيا أن يُموّله من المال العام سرّا !!!! أية أخلاق تسمح لرجل دولة أن يفهم روح التشاريع بهذه الشاكلة.
يُقاس مدى التردّي الأخلاقي بتضافر طاقات الوزارة ورئاسة الحكومة وحتى صهر الوزير. نعم إن للوزراء أصهارٌ تحميها !!! ليس لإعطاء المثال في التجرد والتدقيق في مآل المال العام بل لتبرير الخطأ بتوظيف الدين والمساجد وحتى تاريخ أمة محمد للتستر على المخالفين. كل ذلك والحكومة تناقش ميزانية الدولة وتبرر تقلص النفقات بشح المداخيل.
ولقد زادنا يقينا بانحدار الأخلاق لدى رجال الدولة, أو من يظنون أنفسهم كذلك, تصرفُ الحكومة مرة أخرى في قضية مخالفة وزير الخارجية لقانون المحاسبة العمومية وظهور مستشاره الهمام الذي انبرى يفسر الفعلة بأنها من مقتضيات سرية التعامل مع دولة أجنبية ترغب في أن تنفرد بلادنا بكرمها الحاتمي من دون بقية الدول خصوصا وأنه كان هو من توسط لإبرام الاتفاق...
هكذا أضحت معاملاتنا الخارجية, بعد 60 سنة من الاستقلال وبناء الإدارة الحديثة, بيد أناس يتصرفون بمصالح بلادنا وصورتها كما التنظيمات السرية ويمولونها بأساليب شبكات تبييض الأموال ومنطقها ويُتحدّث لشعبها المتعلم كما يُتحدّث مع البدو الرحل أو السّذّج من جمهوريات الموز...
في الأثناء وبينما نحن مصدومون نجترّ ما عَسُر هضمه مما نسمع ونشاهد بخصوص هذين القضيتين يأتينا الخبر اليقين عن ذهاب الأخلاق إلى الجحيم. ذلك أن المجلس التأسيسي المزهوّ بشرعيته التي تخطت عتبة العام رغم كيد الكائدين قرر مجازاة نفسه على هذا النصر المبين بأن ينمح نفسه الزكية ما حرمته إياه المحكمة الإدارية. ولمثل هذا المأرب النبيل ابتدعوا تخريجا "قانونيا" يصعب على المحكمة الإدارية نقضه وهو أن يدمجوا زيادة سمينة في منحهم صلب قانون المالية. أليسوا أسياد أنفسهم؟ يا لها من عبارة سحرية مُسكرة !!! السكر الحلال طبعا... وهل يقدر على غير هذا السكر من انتخبوا بفضل قولة لا إله ألا الله وهم أغلبية المصوتين؟
نجحوا في المصادقة على هذا القرار دون حياء ولا وجل, على مشارف الفجر من ليلة  هي أشبه بليلة سقوط غرناطة حين فرّط أصحاب السيادة في آخر بنود العقد الأخلاقي الذي يربطهم بشعبهم مصدر السيادة من أجل مال زائل لن يزيل عنهم أضعافُه خزي تلك الفعلة المشينة... لقد صادقوا على الزيادة لأنفسهم بعد رفضهم لكل التعديلات الجبائية المقترحة لفائدة ضعاف الدخل... أقرّوا الزيادة لأنفسهم في غياب عدد كبير من النواب وحضور ما يكفي منهم لحصول النصاب والمصادقة. ومن بين المنح المضافة للنواب 900 دينار شهريا بعنوان السكن وهو دون شك مبلغ أرفع بكثير من معدل الإيجار بالضواحي الراقية للعاصمة...

الخطيئة المؤسسة

أبعد هذا السقوط سقوط؟ أبعد هذا سيُفترض في الشعب احترامُ المؤسسات المنتخبة؟ أبعد هذا سنصدق كفاءتهم لإصلاح ما فسد من مؤسسات الدولة؟ هل الفساد أن تتسخ اليدان بالاستيلاء على المال العام دون وجه قانوني أو أن تُطوّع "أياد نظيفةٌ" القانونَ للتمتع غير المبرر بالمال العام؟ نحن إزاء غياب تام لثقافة الدولة وحلول ثقافة الحيل الفقهية والتنظيمات السرية والمجتمعات الرعوية وثقافة الغنيمة وأخطر من ذلك أمام غياب تام للواعز الأخلاقي الفطري البسيط...
ولقد بدت بوادر السقوط الأخلاقي جلية منذ أيام المجلس التأسيسي الأولى ولم نأبه, عندما نكث حزبان من "الترويكا" عهدهما بالالتزام بأجل السنة لإنجاز الدستور. تذرّعا آنذاك بأن العهد الممضى ما هو "إلا التزام أخلاقي" بينما شرعيتهما الانتخابية تعطيهما من السيادة ما يبرّر التملص مما وعدا به. لقد أقرّا منذ ذلك الحين بأن مقتضيات السياسة تعلو على الأخلاق. لم يأبه إلا قلّة لخطر الانحراف بالسلطة التأسيسية الذي كان يتهددنا.

والآن؟؟

اليوم وقد انتفت تهمة محاكمة النوايا وبان ما كان خافيا, لا بد من تجند المجتمع المدني لمطاردة كل أنواع الفساد, السافر منه والمبرقع بالشرعية, وللضغط من أجل إنهاء الفترة الانتقالية بأخف الخسائر على مؤسسات الجمهورية. وإن فتح حكامنا الباب بفساد تصرفاتهم لشتى أنواع المقاومة فإنه لا يخفى على لبيب أن هناك من يتصيد مظاهر العنف للانحراف بالمسار الديمقراطي ولذلك وجبت اليقظة والتصرف بحكمة.
أما أهم ما يستخلص من هذه الأحداث فهو اليقين أن الترويكا وإنقاذها أو زوالها لم تعد شأنا ذا بال يستحق الجدل كما في السابق باعتبار أن ممارساتها وأخلاقياتها جعلتها جزءا من الماضي وليس المستقبل...

إن التونسيين وهم يستحثون زوال هذه الفترة الانتقالية لا بد لهم من النظر إلى المستقبل للخروج من هذا الاكتئاب الجماعي الذي مرده الشك في صحة كل ما اختاروه لحد الآن وبالتالي الشك في أنفسهم. ذلك الشك الذي انبنى عليه التسليم البسيط لدى البعض منهم في انتخابات 2011 بأن لا خلاص للبلاد إلا مع "نظيفي الأيدي" والورعين. ولعل تفطن التونسيين لسلامة منظومتهم الإدارية السابقة لحكم الترويكا دليل على أن لا خلاص إلا بسلامة المؤسسات وأن بالبلد من المؤسسات ما يمكن البناء عليه لضمان الصالح العام ولاستعادة الحلم الجماعي وتصور المستقبل في تصالح مع النفس ومع التاريخ المستنير لهذا البلد وقدرة شعبه ونخبه على ابتداع طريقهم نحو الحرية وإن بهزات سرعان ما ينتفضون منها أقوى من ذي قبل وأكثر وثوقا في قرب الخلاص.

سنية النقاش
الطريق الجديد, 05/01/2013

jeudi 19 juillet 2012

L'ESPOIR EST PERMIS... PLUS QUE JAMAIS :-)))


Comment reprendre espoir en ce matin triste?
Sans doute en nous disant que l'aube succède toujours à la nuit la plus noire...
La direction du pays perd un grand Monsieur qui n'était connu que des siens. Désormais, il est (re)connu de tous.
En ce moment où l'incompétence des gouvernants les affecte jusque dans leur quotidien le plus banal et basique, les Tunisiens apprennent, à leurs dépens certes, à quel point le pays regorge encore d'hommes valeureux, patriotes, imbus de citoyenneté et de courage et qui sont prêts à servir leur pays à leur corps défendant.
Aux Tunisiens, on a fait admettre que leurs choix aux dernières élections les condamnaient à privilégier la probité (présumée) à la compétence. Ils se rendent compte désormais que cet arbitrage compétence/probité n'est pas une fatalité mais un vulgaire chantage au pouvoir.
Les Tunisiens se rendent compte à l’occasion de cet épisode pénible, que la compétence affirmée conjuguée à l'intégrité sont encore possibles et parmi même la classe politique ancienne qu’on essaie de vouer aux gémonies indistinctement. Voilà qui brouille les cartes de nos gouvernants actuels et qui constitue "l'effet collatéral" qu'ils n'ont pas soupçonné en menant cette cabbale contre le gouverneur de la Banque Centrale.
Les Tunisiens savent désormais qu'ils n’ont pas forcément à choisir entre la compétence et l’intégrité et qu’une alternative est non seulement possible mais résolument meilleure. Et c’est, en soi, un grand motif d'espoir qu'enfin les hommes et les femmes les plus compétents et dévoués puissent servir leur pays du mieux qu'ils peuvent...

vendredi 1 juin 2012

خفض الترقيم السيادي للديون التونسية: ما وراء الزوبعة وما بعدها...


 
تعيش بلادنا منذ أسبوعين على وقع احتقان متصاعد على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لعلّه بلغ ذروته إثر صدور قرار وكالة الترقيم السيادي "ستاندرد أند بورز" يوم 23 ماي بالتخفيض في مؤشر المخاطرة المتعلق بالديون التونسية إلى مستوى يصنّف عمليّة الإقراض لبلادنا كنوع من المضاربة أردفته هذه الوكالة بتقييم استشرافي سلبي لعمل الحكومة وللمناخ السياسي بالبلاد. ذلك أن التقرير يخلص إلى أن الحكومة غير قادرة على استعادة عافية الاقتصاد الوطني وأن المناخ السياسي يتسم بالغموض على المدى المتوسط إلى حين المصادقة على الدستور وتنظيم الانتخابات قبل منتصف ماي 2013.

ويتنزل اعتماد الترقيم السيادي في نطاق عولمة الأنظمة المالية التي تسمح بتنقل رأس المال بحريّة بين الأسواق العالمية وفق منطق المعادلة بين الربح والمخاطرة وذلك بغية التوظيف الأمثل لأموال المدّخرين والمضاربين من أشخاص ماديين وحكومات ومؤسسات بنكية وصناديق التوظيف المالي المختلفة... ولضمان سلامة توظيف الأموال وتدقيق حساب المخاطرة فإن المواد المالية المقترحة في الأسواق على المستثمرين لابد أن تحمل ما يدل على نوعيتها كما يحمل أي منتوج صناعي نبذة عن مواصفاته وذلك بغية ضمان شفافية المعاملات. ويتمثل دور الترقيم السيادي في إعطاء المستثمر صورة مختزلة عن قدرة المدينين على تسديد ديونهم. ويتحدّد  وفق الرقم السيادي, الذي تمنحه وكالات مختصة للمدينين, سعر الفائدة الموظف على ديونهم ودرجة إقبال مؤسسات توظيف الأموال على إقراضهم.

وبالتالي فإن أي تخفيض في الترقيم السيادي لديون دولة ما يعني ازدياد المخاطرة عند إقراضها المال وهو ما يعرّضها إلى تسديد فوائد أعلى ويقلّل من فرص الاقتراض أمامها. وبالرغم من أن تداعيات هذا الجانب محدودة في وضع الاقتصاد التونسي اليوم, الذي لا يتوجه للأسواق المالية إلا بنسبة 20 بالمائة من الديون, فإن لتخفيض الترقيم بعدا آخر يتمثل في تشويش صورة الوجهة التونسية لدى المستثمرين المباشرين وبعث إشارات غير مطمئنة بخصوص استقرار السياسات الاقتصادية واستمرار الخيارات الحالية. ذلك أن احتمال حدوث صعوبات اقتصادية يزيد من إمكانية التراجع ولو ظرفيا في بعض التوجهات مثل الرفع في الرسوم القمرقية أو إعادة العمل بحصص الاستيراد.         

ولقد رافق صدور تقرير "ستاندرد أند بورز" تجاذب سياسي شديد في وسائل الإعلام اعتمد على تقييم متباين لجديّة الترقيم السّيادي ومدى تداعياته على الوضع الاقتصادي وتحديد المسؤولية في تدهوره. وقد تراوح التجاذب بين الأخذ بالتقرير والاستدلال به على تدهور الوضع الاقتصادي والخشية من تبعاته وتحميل الحكومة المسؤولية  في ذلك والمطالبة بتصحيح المسارين السياسي والاقتصادي لإنقاذ البلاد من دوامة محتملة وبين الحطّ من أهمية تقرير "ستاندرد أند بورز" بالقول بتغيّر الأوضاع نحو الأحسن والتقليل من تداعيات الترقيم الجديد والإشارة إلى أن عدم "تناغم" السياسة النقدية مع متطلبات سياسة الماليّة العمومية وانعدام التشاور بين رئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي هما السبب في تعثر الاقتصاد في هذه المرحلة.                
ولسائل أن يسأل عن رهانات هذا الحدث التي تبرّر كل هذا التباين والجدل. ويمكن تلخيص رهانات هذا التجاذب في ما يلي:
1.    محاولة الحكومة استثمار الحدث سياسيا بشكل مزدوج يتمثل في الخروج من أزمتها الكامنة مع البنك المركزي من ناحية وفي الفوز من ناحية أخرى بكبش فداء تنفّس به عن الضغط المسلط عليها والذي لم يزده قرار وكالة "ستاندرد أند بورز" إلاّ حدّة.
أما الناحية الأولى فهي أزمة الحكومة مع محافظ البنك المركزي الحالي والتي تعود إلى فترة التصويت على القانون المؤقت لتنظيم السّلط العمومية ونذكر أن البنك المركزي تمسّك بمبدأ استقلاليته عن السلطة التنفيذية وقد قبلت الأغلبية الحاكمة بذلك على مضض وهي تمنّي النفس باستبدال المحافظ في قادم الأيام حتى يتسنّى لها نسف الاستقلالية على أرض الواقع دون المساس صراحة بالنص. وتعزى هذه الرغبة إلى أن حجم الانتظارات الشعبية وجسامة الموارد التي تستدعيها جعلت الحكومة تتصور أن تمويلها عبر التضخم المالي قد يخفف الضغط على التّداين وأنّ ذلك يسهل مع محافظ مركزي متغاض عن هدف استقرار الأسعار وعن تبعات التضخم على المدّخرين ورؤوس الأموال وسعر الدينار وتنافسية الاقتصاد.

أمّا الناحية الثانية, فتتنزّل في الظرف شديد الاحتقان الذي تعيشه البلاد والذي يسلّط ضغطا غير مسبوق على الحكومة ويهدّد بتفكك مؤسسات الدولة. ويتمثل هذا الظرف في تنامي مظاهر التطرف الديني واتساع دائرة العنف والتخريب واستهداف الحريات الشخصية ومؤسسات الدولة والمرافق العامة من محاكم ومدارس ومستشفيات وتنظّم شبكات التهريب وتحسّب الدول الأجنبية من مآل الأمور في بلادنا وتحذير مواطنيها من القدوم إلينا وتعطّل إصلاح المنظومة الأمنية وظهور بوادر تململ شديد في صفوف الأمنيين جرّاء تهاون السّلط الأمنية العليا في التعاطي مع هذه الظواهر الخطيرة وتعطّل مسار إصلاح الإعلام واشتداد التوتر بين الحكومة والقضاة والتلويح بالإضرابات الاحتجاجية في الجهات المحرومة وخيبة الأمل المتزايدة لدى عموم الناس إزاء مردود مؤسسة المجلس التأسيسي وكلفتها المالية والتزامها بإنهاء مهامّها في الآجال المطلوبة وتحديد تاريخ الانتخابات وتشكيل الهيأة المنظمة لها.
 ويستشفّ من كل مظاهر الاحتقان هذه أن إخلالات ألمّت بمؤسسات الدولة التي تؤمّن معاش المواطن وسلامة ممتلكاته وديمومة الدورة الاقتصادية. ولعلّ أكثر المؤشرات بيانا على أن المشكل هو بالأساس ارتباك مؤسسات الدولة جرّاء قصور رؤوس السلطة في تصوّر مشترك وسليم لمسؤولياتهم وصلاحياتهم, هو النقد شديد اللهجة وشهادة الفشل الذّريع التي طالت الحكومة من طرف مؤسسة رئاسة الجمهورية  في خصوص ملفات القضاء والاقتصاد ونسق الإصلاح عموما. ولعلّه من السخرية الإشارة أن تصرّف مؤسسة رئاسة الجمهورية وتداخل الصلاحيات الذي شهدناه والأحداث التي عاشتها بعض الولايات خلال الأسبوع المنقضي تكفي وحدها لتصديق التقييم الإستشرافي السيئ الذي قدمته الوكالة عن مستقبل المناخ السياسي ببلادنا.  

 إزاء مثل هذه الضغوط يبدو أن الحكومة ارتأت في مرحلة أولى التخلّي عن محافظ البنك المركزي لضرب عصفورين بحجر واحد كما أسلفنا, أي التحرر من "قيد" الاستقلالية الذي فرضه المحافظ الحالي وتحميله مسؤولية الصعوبات الحالية كما ألمح وصرّح  بذلك مستشارو الحكومة في خطاب تقني لا مبرر له إلا صرف النظر عن المبررات السياسية بتعقيدات تقنية لا يفقهها العامة.
 وقد تكون صعوبة إيجاد بديل في قامة السيد النابلي وسمعته من ناحية والخشية من أن يتسبب رحيله في مزيد تخفيض الترقيم السيادي من ناحية أخرى هو ما يفسّر "الهدنة" الغامضة التي أعلنت صباح الاثنين الماضي بين رئاسة الحكومة والبنك المركزي. هدنة تجعل السيد النابلي يلتحق بالثالوث الرئاسي ليصبح بدوره "محافظا مؤقتا" في خطوة قد يكون القصد منها إضعافه أمام المهام العاجلة الموكولة إليه ألا وهي القيام بإصلاحات هيكلية نوّهت وكالة "ستاندرد أند بورز"  بالإسراع في وتيرتها. ويكون بالتالي أي تعثر لأجندة الإصلاح تعلّة لإقالة السيد النابلي تتحقق بها رغبة الحكومة وتمتثل ظاهريا لمقتضيات التقرير وتقي الحكومة شر تخفيض سيادي آخر قد يكون توقيته "قاتلا" بالنظر إلى الاستحقاق الانتخابي. 
    
2.    أما الرّهان الثاني لهذا التجاذب فهو سعي معارضي الحكومة إلى استغلال هذا التقييم السلبي من طرف وكالة أجنبية ذات مصداقية للاستدلال على فشل التوجهات الاقتصادية وخطورة الاستمرار فيها ومساوئ الغموض السياسي الراهن وضرورة تصحيح مسار الانتقال الديمقراطي الراكد.
أن اعتماد معارضي الحكومة على تقييم "ستاندرد أند بورز" لا يعكس بالضرورة قناعة بوجاهة التوجهات الاقتصادية الليبرالية التي تمثل مرجعية أسواق المال وإنما دليلا على أن المنحى التحرري للسياسة الاقتصادية الذي كرّسته ميزانية الدولة التكميلية لا يستجيب حتى لانتظارات أتباع الليبرالية. ونذكر أن المعارضة الممثلة في المجلس التأسيسي لم تفلح في التأثير في الميزانية التكميلية بشكل فاعل أو ملموس  ولم تر فيها إلا تكريسا لخيارات الماضي دون الإيفاء بمقتضيات المرحلة من تنمية وتوازن جهويين وليس أدلّ على ذلك من تصاعد الاحتجاج بعديد ولايات الشمال الغربي على نقص المجهود التنموي الموجه إليها.
 كما شدد معارضو الحكومة على التبعات المرتقبة للتقييم الاستشرافي السلبي بخصوص كفاءة الحكومة في إدارة الشأن الاقتصادي وغموض الوضع السياسي. وما زادتهم التطورات الخطيرة في الأوضاع الأمنية واللّخبطة المؤسسية المشار إليها آنفا إلا قناعة أن التقييم الكيفي للوضع السياسي لا يحتاج إلى مزيد براهين على ضرورة وقف النزيف. وخلصوا إلى أن الوقاية من مزيد تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومن صدور قرارات تخفيض أخرى من بقية وكالات التصنيف يقتضي إعادة النظر في تشكيلة الحكومة من ناحية والحسم في النواحي الأمنية وفي ملفات القضاء والإعلام والاتفاق على خارطة طريق مع المجلس التأسيسي وتحديد المواعيد الانتخابية لتوضيح الرؤية لجميع الفاعلين في الاقتصاد والسياسة.  

نستنتج من الرهانات التي حللنا جوانب منها أن الجدل الحاد الذي حصل حول تقييم "ستاندرد أند بورز" لم يبرره عظم تأثير هذا التقرير على الاقتصاد التونسي بقدر تعريته لمواطن الخلل في مؤسسات الحوار والقرار السياسي والاقتصادي (المجلس التأسيسي, الرئاسة والحكومة) في هذه المرحلة الانتقالية الثانية حيث لم تفلح الشرعية الانتخابية وحدها في تسهيل القرار ولا في ضمان صوابه ولا في الحصول على الإجماع حوله ولا في تخطي الأزمات  مثل التي نعيش الآن.

يبدو بعد هذه الزوبعة والبلاغ الذي تلاها من رئاسة الجمهورية أن مؤسسة الرئاسة هي أكثر من "اتعض" من مغبّة المعارضة العلنية لخيارات الحكومة في القانون الحالي لتنظيم السّلط.

أما معارضو الحكومة فإنه بقدر وجاهة تحذيراتهم المتتالية ضد زيغ الحكومة ومماطلتها وتسويفها في معالجة الملفات الكبرى, يبدو من المناسب للممثلين منهم في المجلي التأسيسي على الأقل أن يطوّروا أساليب عملهم باتجاه توحيد المقاربات والتفاعل مع المجتمع المدني للضغط باسمه داخل المجلس و تحسين أداء هذه المؤسسة وصورتها وتجميع القوى والأداء الفعّال.  

أما رئاسة الحكومة فستبدي الأيام القادمة إن كانت اقتنعت أن وجود سلطة نقدية مستقلة إزاءها هي ضمان ضد الزيغ الاقتصادي كما وجود معارضة سياسية أمامها هي ضامن ضد الزيغ السلطوي. أما تعامل الحكومة مع الأزمات المتراكمة, التي انفجرت متتالية هذا الأسبوع, بالصمت والتسويف والكرّ والفرّ مثل الإقدام على خطوات استعراضية غير محسوبة ثم العودة إلى الوراء كما هي الحال مع القضاة, فإن كل هذا سيبرهن لا محالة على وجاهة تقييم "ستاندرد أند بورز" بل وينذر برسوخه في أذهان شركائنا الأجانب.             

dimanche 19 février 2012

Ne nous voilons pas la face! Nos libertés académiques sont en jeu…


Des établissements universitaires à Sousse, la Manouba, Kairouan et Gabès ont été le théâtre d’intrusions et d’agressions récurrentes provoquées par des individus, majoritairement étrangers à l’université. Profitant de la mollesse de l’Etat et de l’accès des islamistes au pourvoir, ces personnes ont voulu imposer par la force des pratiques conformes à leur vision particulière de la religion et, pour ce qui concerne l’université, attentatoires aux libertés académiques. Ainsi en est-il de leur revendication du port du voile facial dans les cours et aux examens, du droit de regard qu’ils ont voulu s’arroger sur le contenu d’une épreuve d’examen, de même que la tentative d’imposer la séparation des hommes et des femmes dans un restaurant universitaire.

Ces incidents qui se sont accélérés depuis les élections du 23 octobre ont été différemment appréciés par les parties prenantes à l’université. Le gouvernement y a vu des épiphénomènes sans gravité, ni rapport entre eux, ni portée politique ou sociétale. Posant le problème en termes de libertés individuelles, vestimentaires en l’occurrence, il a non seulement observé avec indifférence l’entrave au service public d’enseignement, mais s’est même offert le luxe d’annoncer qu’il n’entreprendra rien avant la promulgation de la nouvelle constitution. Ainsi, d’une part, il met dos à dos les instances académiques et une poignée d’étudiantes soutenues par des activistes islamistes au passé violent revendiqué et d’autre part, il offre à ces derniers une garantie explicite de « non belligérance ».

Devant cette complaisance cynique, on ne peut s’empêcher de présumer que le pouvoir en place semble vouloir laisser à ces groupes l’opportunité de créer des situations de fait accompli qu’il suffirait plus tard d’entériner, gagnant ainsi le double enjeu de préserver l’unité du camp islamiste et celui de faire des « percées » dans la « cuirasse » sociétale la plus hermétique aux retours en arrière qui est l’université.

D’un autre côté, le corps enseignant a au contraire vu dans la volonté de faire passer en force le voile facial à l’université, une tentative d’imposer dans les faits et depuis l’université les fondements d’un modèle social passéiste présentant pour l’université une menace réelle pour les libertés académiques qui l’ont régie même aux pires moments de la dictature.

Mon propos ici est d’expliquer que derrière les revendications prétendument « vestimentaires », présentées comme « anodines » et « libertaires », ce sont plutôt les libertés académiques qui sont en jeu ainsi que l’égalité devant le service public, éléments cruciaux occultés dans la gestion de cette crise.

En effet, rappelons-nous que les assaillants de la Faculté de la Manouba avaient, le premier jour du sit-in, réclamé non seulement l’autorisation du port du voile facial mais aussi, l’octroi d’une salle de prière et la séparation des filles et des garçons dans les cours avec des enseignants du même sexe, et cela par « respect à leur foi religieuse », selon leurs dires. Puis, dès le lendemain, leurs revendications se sont subitement réduites à la salle de prière et au port du voile facial. Ce revirement provient, à mon sens, du fait que ces activistes se sont vite rendu compte que la question du port du voile facial en classe et à l’examen, par respect de la conviction religieuse, est nodale par rapport à tout le reste.

En effet, dès l’instant où les instances académiques acceptent qu’une personne accède aux cours ou aux examens la face voilée, tout le reste ira de soi car toutes les complications pédagogiques, disciplinaires et sécuritaires découlant du voilement de la face, deviendront la seule responsabilité de ces instances. Les problèmes subséquents seront ainsi « exportés » chez les instances académiques seules responsables d’assurer aux examens les conditions d’équité et de rigueur et aux cours les exigences de communication et de discipline appropriées.

Ainsi, s’agissant des examens, il est clair que le fait de tolérer le voilement de la face impose de ne plus sanctionner les comportements présumés frauduleux des étudiant(e)s qui opèrent à visage découvert dans la mesure où il est inéquitable de réprimander ou sanctionner un étudiant qui regarde en biais, par exemple, alors que, derrière le voile facial, le regard d’une autre étudiante n’est même pas contrôlable. Du combat pour l’égalité des chances, on se trouverait ironiquement, en train d’entériner l’inégalité des risques…

Il est clair dès lors que pour parer aux incongruités découlant de ces situations, les instances académiques n’auront pas d’autre choix que de réserver des salles d’examen séparées aux étudiants et étudiantes avec des surveillants du même sexe. En cela, elles dérogeraient au principe de l’égalité devant le service public qui n’autorise les traitements exceptionnels qu’envers les citoyens qui ne sont naturellement pas en mesure de recevoir le service dans les conditions communes, à savoir les  handicapés  ou les malades. En effet, se voiler volontairement la face n’est en rien une contrainte naturelle justifiant un traitement spécial.

A partir de cet instant, également, il deviendra évident que pour l’accès aux cours il s’appliquera la même « exégèse ». On ne peut refuser durablement l’accès aux cours si on a accepté celui aux examens et à partir de là, les complications pédagogiques, logistiques et disciplinaires inhérentes à cela seront « exportées » chez les instances académiques qui ne pourront les régler radicalement que par la séparation selon le genre.

La seconde conséquence, à notre avis, la plus grave est que dès l’instant où l’on accepte le voile facial au motif du respect de la conviction religieuse (bien que ceci soit très fortement controversé), la porte sera ouverte à la perte de contrôle complet sur le contenu des enseignements. En effet, dès l’instant où on a donné une légitimité au motif « religieux » pour céder sur un maillon de l’opération pédagogique, les étudiants seront tout à fait en mesure d’invoquer ce même motif pour demander à être dispensés de certains enseignements ou « d’expurger » les programmes ou les bibliothèques de certains thèmes, auteurs ou ouvrages. Ainsi pourrait-il en être de tous les enseignements ou ouvrages d’économie et de gestion en rapport avec l’analyse des taux de l’intérêt. De même, les écrits des philosophes réputés athées, des écrivains, poètes, artistes ou penseurs à la réputation « religieusement incorrecte », les enseignements sur la viticulture, l’élevage porcin ou autres pourront être contestés selon les mêmes « fondements ». Le contrôle sur les enseignements est en réalité le pas le plus décisif vers l’aliénation de l’université, lieu de liberté et d’apprentissage de la liberté.

Et ce qui est en jeu, à mon avis, n’est pas seulement l’irruption du religieux dans l’exercice de nos libertés d’enseigner et de chercher « comme bon nous semble ». Il s’agit de l’irruption de la religion dans un contexte où le religieux est fortement connoté de politique et où le politique agit comme pour instrumentaliser les libertés académiques à des fins de gouvernance sociale.

A l’heure où le pays peine à tracer son chemin vers un État démocratique, il est du devoir des enseignants de défendre, pour eux et pour les générations futures, les libertés d’enseigner, de chercher, de penser et d’accéder aux savoirs, tous les savoirs. Un État ne peut se concevoir comme démocratique, s’il ne reconnait pas à l’université, la liberté d’être et de faire, en tant que possibilité d’être même en dissidence avec lui. Ce faisant, il se garantit sa légitimité en tant qu’État démocratique.